ba7gar

ba7gar
ابحث واندهش بالنتائج

الأحد، مارس 17، 2013

" الوفاء بالعهد "

 

 

قصص رواها النبي صلى الله عليه وسلم ( الجزء الأول )

 



 

الدكتور عثمان قدري مكانسي

 

 



القصة الرابعة

 



" الوفاء بالعهد "

 

 

إني بحاجة إلى ألف دينار عدّاً ونقداً ،كي أدفع ثمن الثياب لذلك التاجر الذي ابتعتها منه ، و لا أستطيع الاعتذار ، فالبائع بعيد على الشاطئ الآخر من البحر ، و هو يعرفني أفي بالعهد ، صادقاً ، لا أكذب الحديث ... إنه ينتظر في بلدته ، والسفينة ستقلع غداً صباحاً ، فماذا أفعل يا رب ، كنت أعتقد أن المال بحوزتي ، فإذا به أقل مما توقعت ، بعت حُلِيَّ زوجتي وبنتيّ ، واستغنيت عن بعض الأساسيات ، وما زال ينقصني ألف دينار ، من أين آتي بها؟ اللهم يسّرْ وأعنْ .. إنني أعرف أن الحاضرين من أهلي وأصدقائي لا يملكون مثل هذا المبلغ ، و سؤالي إياهم يُخجلهم ، ويخجلني ، فما اعتدت أن أسألهم لعلمي بحالهم ، و سيشعرون بالحرج إذا قصدتهم .. ماذا أفعل يا إلهي ؟!! لا بد من تيسير الله تعالى .. اللهم اجعل لي من أمري فرجاً .

آه ، تذكرت... إن عبد الله تاجر كبير في البلدة المجاورة ، يحب الخير ويسعى فيه ، ولعلني إن قصدته لا يخيب فيه أملي ... ولكنّ علاقتنا بسيطة لا تتعدّى السلام والتحية . .. إلا أنه والحق يُقال شهم يلبي ذا الحاجة والمعسر ،وأنا محتاج و معسر . فلْأذهب إليه ، لا تثريب عليّ إن عدْت من عنده خاليَ الوفاض ، لم أنلْ بغيتي ، إنما عليّ أن أبذل جهدي ، وعلى الله تعالى تدبيرُ الأمور ، وإن نلتُ منه حاجتي ، فقد سهّل الله أمري ... إذاً لا وقت للتردد يا يوسف ، فهيّا إلى ذلك الرجل الفاضل ، علّ الله يجعل التيسير على يديه .

السلام عليكم يا عبد الله ورحمة الله وبركاته .

و عليكم السلام و رحمة الله وبركاته ، أهلاً وسهلاً يا أخُ يوسف ، ما هذه المفاجأة الطيبة؟ تزورني أول مرة في داري ؟ أهلاً بك وسهلاً ، مقدَمُ خير و بركة ...

كان استقباله طيباً ، والابتسامة لا تفارق مُحيّاه ، بسط لي من القول وأكرمني غاية الإكرام ، ثم سألني حاجتي ، فزيارتي الأولى له الليلة تنمّ عن حاجة ولهفة في الإسراع إلى قضائها . وصدق حدسُ الرجل ،،، وتلعثمتُ أول الأمر ، فقد كان من المروءة زيارته دون الحاجة إليه ،،، ولا بد من الإفصاح عما في جَعبتي ، فسألته أن يسلفني ألف دينار ....

قال : على الرحب والسَّعة ، إن زيارتك توجب حسن القيام بواجبي ، فضلاً عن كونك تاجراً معروفاً بالصدق والأمانة ، و لو أرسلت رسولك دون تجشم العناء لكنت عند حسن ظنك بي ، و لكن زارتنا البركة بمجيئك .

شكرت له حسن استقباله ، ومروءتَه التي طبّقت الآفاق . ثم قال لي : أنا لا أشك في صدقك و حسن أدائك الأمانة ، لكنّ الله تعالى أمرنا أن نُشهد على معاملاتنا التجارية فقال : " يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمىً فاكتبوه ..... واستشهدوا شهيدين من رجالكم " وشرْعُ الله أولى أن يُتّبع ، فهو أحفظ للحقوق ، و أدعى إلى الالتزام بها ، يريح النفس ، و يُبقي على الود و المحبة .

قلت : هذا أمر لا أنكره ، وحق لا أماري فيه . لكن العجلة وضيقَ الوقت أنسياني ذلك ، و ليس في هذه البلدة من يعرفني فيكفلني . و السفينة تنطلق غداً من المرفأ إلى الطرف الآخر ، والزمن يتسارع ، فهل تقبل أن يكون الله تعالى شهيداً بيني وبينك ؟

قال على فوره : كفى بالله شهيداً .

أردفتُ : ألا ترضى أن يكون الله لي كفيلاً ؟ .

قال : كفى بالله كفيلاً ....

قلت : فأنا أُشهد الله تعالى أن أرد لك المبلغ في حينه .. و لعل الله تعالى يعرف صدق نيّتي ، فيعينني على أداء فضلك وعونك .

فدفع المال إليّ على أن أرده في الأجل المسمّى الذي ضربتُه ، وانطلقت إلى السفينة التي حملتني إلى الشاطئ الآخر ، ولم تمضِ أيام حتى قضيت حاجتي ، و بعت و اشتريتُ ، فرزقني الله تعالى رزقاً طيّباً و فيراً .

و كان لا بد أن أشكر الله على فضله و مَنّه و كرمه ، و لا يكون الشكر إلا برد الحقوق إلى أصحابها ، و شكرهم على معروفهم ، فقديماً قالوا : من لا يشكرِ الناس لا يشكرِ الله .

وقفت على الشاطئ ألتمس مركباً يعود بي إلى الضفة الأخرى ، فلم أجد . و سألت عن طريقة أصل بها إلى الرجل الفاضل الذي أغاثني في الوقت الذي وعدته أنْ أفيَه . فلم أجد . لا بد أن أفعل شيئاً يرضي الله تعالى فهو الشهيد علي ، و هو سبحانه كفيلي .. يا رب يسر أداء ديني و اجعلني من المقبولين لديك ، هاأنذا ضاقت بي الحيلة ، و أنت حسبي ، و عوني .

إن إخلاص المرء لله وصدقه في التوجه إليه يرضيه سبحانه ، و يُرضي الناس عنه . و أنا راغب في إيفاء الرجل حقه والتزامي بعهدي إياه .. فيا رب أنت الشهيد ، وأنت يا رب الكفيل ، توجهت إليك ربِّ ، فاهدني إلى قضاء ديني ، و احفظ عليّ ماء وجهي .

و أراد الله سبحانه أن أفي بعهدي ولا أخفر ذمتي ، فألهمني أن آخذ خشبة كبيرة ، فنقرت فيها جوفاً يتسع لألف دينار وضعتها فيه ، وكتبت رسالة إلى صاحبي أعتذر فيها عن حضوري مع الوديعة ، و أشكره على شهامته ونجدته ، ثم سوّيتُ موضع الحفر وسدَدْتُه بإحكام تام ، و أتيت بها إلى البحر .

لئن يكن في قابل الأيام مصارف منبثة في أرجاء المعمورة تسهل المعاملات التجارية ، أو وسائل اتصال يبدي بها المرء عذره ، إن الحاضر بدائي ليس فيه شيء من هذا .

و لو كان معي رجل يرى ما أفعل لقال : إنني مغفل معتوه . كيف أدفع المال الذهبي – و هو ثقيل - في جوف شجرة كبيرة ، قد تنحرف يميناً أو شمالاً فتعلق في غابة مرجانية ، أو تغوص في دوّامة مائية فتنشقّ ، أو تصطدم بصخرة قوية فتتفتّت ، و تتناثر الدنانير في الماء ... وهل تصل إلى صاحبها ؟ هل من المعقول ذلك وآلاف الناس على البحر ، إن أخذها أحدهم لم يدّع الآخرون أنها لهم ، ولماذا يدّعون وهي لا تصلح لشيء ؟ !

لكنني أشهدْت اللهَ ، و جعلتُه عليّ كفيلاً ، و رضي الرجل بشهادة الله و كفالته . و يقيني أنه سبحانه سيوصلها إليه . .. يا رب ؛ إنك تعلم ما جرى بيني و بين الرجل ، و إني جهدتُ أن أرى مركباً يوصلني إليه ، أو يوصل إليه الأمانة ، فلم أقدر ، وإني أستودعكها ...

و رميتُ الخشبة في البحر ، حتى غابت فيه ، ثم رحتُ أبحث عن أول مركب يوصلني إلى مدينتنا على الشاطئ الآخر ..

خرج التاجر عبد الله في الوقت المحدد الذي اتفقا عليه ينتظر مركباً يصل يوسف على متنه فيتلقّاه ويهنئه على سلامة الوصول ، و يسترد ألف الدينار ، أو يرى سفينة يحمل ربانُها المال من يوسف ، و لكنه لم يجد أحداً .. و رأى خشبة قذفتها الأمواج إلى اليابسة ، لمّا تجف ، فأعجبه حجمها ، فأخذها لأهله حطباً ، فلما نشرها وجد المال والرسالة ... ما أشد فرحته ، و ما أعظم سروره ! ! كيف تسنّى ليوسف أن يفعل هذا ؟ ! و كيف تفتّق ذهنه عن هذه الحيلة ؟ ! لولا صدق إيمانه بالله ما فعل هذا ، و لولا حسن توكله على الله وثقته به ما اطمأنّ إلى ما فعل . فقال : الحمد لله الذي -عرّفني عن تجربة - على صديق وفي و أخ كريم . لأصاحبنّه و ليكوننّ أخي ، فالأخ المؤمن سراج يضيء حياة الآخرين بفيض من إيمان ....

و لك - يا رب – الشكر ، فأنت سبحانك نعم الشهيد و نعم الوكيل . لا أحصي ثناء عليك ، أنت كما أثنيتَ على نفسك .

و قدم يوسف بعد مدة ، فانطلق فوراً إلى عبد الله ، و قدّم له الدنانير الألف معتذراً عن تأخره .

قال عبد الله : هل كنتَ بعثتَ إليّ بشيء ؟

و لعلّ عبد الله كان يظن أن يوسف لم يقدر أن يفي بوعده في الأجل المسمى ، و أن الله تعالى - حين رضي به عبدُ الله شهيداً وكفيلاً - أمر أحد ملائكته ، ففعل ما وجده على الشاطئ  .

فهو إن سأل يوسف ، فلم يلقَ جواباً أيقن أن الله قضى عنه ، و إن كان يوسف هو الفاعل ليتمسّكنّ بصحبته إلى الأبد كما قرر سابقاً .

فحدّثه يوسف بما فعل ، فقال عبد الله مطمئِناً إيّاه : فإن الله تعالى قد أدّى عنك الذي بعثتَ في الخشبة ، فانصرف بأموالك راشداً .

 

المراجع :

 

صحيح البخاري مج/2 ج /3 .

كتاب الإجارة ، باب الكفالة في القرض و الديون .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

--
--


الانتقال إلى موقع الويب الخاص بالمجموعة
إزالتي من القائمة البريدية للمجموعة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يهمنا النقد البناء والرأي العام
أضف تعلقيك / لكن تذكر أن يديك سوف تتحاسب يوم القيامة

ابحث ba7gar وأندهش بالنتائج